بلا حدود ولا رقابة


بقلم - عائشة المري

عالم بلا حدود، نعم، لأنه عالم افتراضي، تتلقى دعوة من صديق بالبريد الإلكتروني تتلوها دعوة من صديق آخر وتتوالى الدعوات، وعندما تستجيب في نهاية المطاف تلج مجتمعاً تفاعليّاً للأصدقاء والمعارف وأصدقاء الأصدقاء، لكنه ليس فقط وسيلة للتواصل بين الأصدقاء لأنه قد يقحمك في خضم دعوات للانضمام لمجموعات سياسية، ثقافية، فنية وغيرها، حيث تسمح المواقع الاجتماعية بإنشاء الصفحات الشخصية للأفراد أو للمجموعات لشتى الأغراض سواء أكانت شخصية أو سياسية أو ثقافية أو دينية، ويسمح الإنترنت التفاعلي بالتواصل الاجتماعي بتبادل الصور والأخبار والدردشة والنقاش وتبادل الآراء وإنشاء المجموعات الداعمة أو الرافضة لشخص أو لحدث أو لمشروع، أو لإعلان موقف جماعي تجاه قضية معينة تنشأ الصفحات في ثوانٍ من جانب نشطاء المجتمعات الافتراضية، وبين هذا وذاك طبعاً تعتبر المواقع الاجتماعية أداة تسويقية رخيصة للشركات الصغيرة، ويعد موقعا "الفيس بوك" و"تويتر" من أكثر المواقع شعبية على الإنترنت.

وتشهد صفحات "الفيس بوك" نشاطاً سياسيّاً من الحكومات وأحزاب المعارضة والناشطين السياسيين وغالباً ما ينتقل الجدل السياسي حول القضايا السياسية من المستوى المحلي إلى العالم الافتراضي فتنشأ المجموعات، ويتوسع النشاط والنقاشات بين مؤيدين ومعارضين حيث تتجاوز المواقع الاجتماعية خطوط الرقابة الرسمية والحكومية، وتروج للأطروحات المتناقضة، فالجماعات المعارضة تجد متنفساً لآرائها على صفحاته حيث قد تتجاوز الآراء كل الخطوط الحمراء والصفراء، وقد لجأت بعض الدول لحجب موقع "الفيس بوك" أو "التويتر"، فيما سوقت دول أخرى لمواقع اجتماعية "محلية" كما حصل في باكستان.

وتثير الرقابة على المواقع الاجتماعية تساؤلات مشروعة حول ماهية الحدود التي تفرضها إدارة المواقع الاجتماعية على صفحات مستخدميها، وما هو دور المستخدمين في حظر بعض الصفحات المسيئة؟ هل تملك الحكومات أم الأفراد هذا الدور عبر العالم؟ ما هو دور الشبكات الاجتماعية في نقل وتوصيف الحدث بعد أن تجاوزت دورها المرسوم لها في بداية الانطلاق؟

تساؤلات مطروحة وبشدة، ففي بريطانيا وفي سابقة هاجم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أحد المواقع الاجتماعية وهو موقع "الفيس بوك" واتهمه بانتهاك الشروط التي فرضها على نفسه وذلك بعد أن رفضت إدارة الموقع حذف صفحة "راؤول مات أنت أسطورة"، وطلب من حكومته تقديم احتجاج رسمي لإدارة "الفيس بوك" لاستمرار صفحة المعجبين بالقاتل! وترجع القصة باختصار إلى قيام "راؤول مات" بعد إطلاق سراحه بعد إدانته بالاعتداء الجسدي بداية هذا الشهر بقتل صديق صديقته السابقة وهو شرطي، وأطلق النار على صديقته السابقة ليصيبها إصابات خطيرة، ثم أطلق النار على شرطي أثناء حملة مطاردته، وأعلن أنه سيستهدف أفراد الشرطة، وبعد حملة مطاردة استمرت سبعة أيام تمكنت الشرطة من محاصرته، لكنه انتحر قبل أن يتم القبض عليه حسب الرواية المتداولة. إنها القصة التقليدية لكن جمهوراً عريضاً لم يقتنع بالرواية المتداولة أو كان متعطشاً للبحث عن "بطل" أو عن وهم ليتحول المجرم المدان، وعلى صفحات "الفيس بوك"، إلى "بطل" شعبي، ولتجد سلوكياته من قتل وتهديد تبريرات وتعاطفاً بين جمهور عريض من المعجبين بالصفحة، أو ممن يدلون بآرائهم في النقاشات الدائرة فيها، ما جعل رئيس الوزراء البريطاني يصفها بالظاهرة غير المفهومة والمقلقة.

لقد رفضت إدارة "الفيس بوك" إغلاق الصفحة باعتبارها تساعد الناس في التعبير عن وجهات نظرهم الشخصية حول موضوع مثير للجدل، فهل تجاوز "الفيس بوك" الحدود في هذه الحادثة؟ أم أنه عالم افتراضي بلا حدود ولا رقابة؟!

* نقلاً عن صحيفة الإتحاد .






0 التعليقات: