قصة "مارينا كان يا مكان" | Ratatouille والباحثين عن المثالية




 6- Ratatouille والباحثين عن المثالية

بمجرد ما دخلت المطعم شميت ريحة شيشة، أنزعجت جداً، أنا بكره الشيشة. جه المدير بسرعة، من اول نظرة ليا أنا وأخواتى عرف أننا مستحيل نقعد فى مكان فيه شيشة، قال لنا مبتسماً:
أهلاً وسهلاً، شرفتونا يا أفندم، أتفضلوا الدور اللى فوق لغير المدخنين.

وبما أنى أول مرة أدخل المطعم دا فأفتكرت شخصية كرتونية دفينة جوايا من 6 سنين، ناقد المطاعم الفرنسى الباحث عن المثالية Anton Ego بتاع فيلم Ratatouille.

رغم أنى فى الفيلم كنت شايف نفسى فى الفأر Remy لأن الطبيخ من أحب هواياتى من وأنا صغير إلا أنى من ساعة الثورة مبقيتش أمارس هواية الطبيخ بأنتظام زى زمان. للأسف صراع الideologies اللى حصل بعد الثورة حوّل ريمى الموهوب المحبوب اللى جوايا إلى Anton Ego، نقاد لاذع لا يراعى مشاعر من يختلف معهم من غير السلفيين، خاصة التيار الليبرالى.

عادة لما طبيب الأسنان، او اى فنان فى أى مجال، بيشوف حاجة تنقصها لمسة للوصول للمثالية مبيقدرش يقاوم أنه يضع اللمسة دى، لكن لو مأتبعش ضوابط النصيحة فى الإسلام اللمسة دى بتبوظ مش بتصلح. ولو حاول يعدل اللى باظ ممكن يبوظ أكثر، لحد ما فى الأخر يبوظ اللوحة الجميلة كلها.

دا اللى عمله الناقد Anton Ego مع الملهم الشبه المثالى Gasteau، ودا برضه اللى سعات بيعمله الزوج مع زوجته، والشاب مع خطيبته، والأب مع أبنه المراهق والصاحب مع صاحبه اللى خايف عليه، والشيخ مع الشاب الليبرالى، والشاب الليبرالى مع الشاب الإسلامى، والشاب الإسلامى مع الإعلامى، والإعلامى مع السياسى الإسلامى، والسياسى الإسلامى مع السياسى الليبرالى ألخ.

مع أن Anton Ego نفسه مكنش مثالى إلا أنه كان عاشق للمثالية. فضل سنين طويلة يدور على الطباخ المثالي فى كل مكان إلا أن عجزه عن أنه يلاقيه خلاه قاسى وجاف فى نقده للطباخين المتميزين اللى عجزوا عن أنهم يبقوا مثاليين، زى الشيف الملهم شبه المثالى Gusteau.

نقد Anton Ego اللاذع الغير بناء تسبب فى أن Gasteau يصر على أسلوب طبيخه، بل يتمادى فيه عنداً، فبدأ Anton Ego ينقده بشكل أبشع فبدأ Gasteau شعبيته تقل وبدأت الزباين تنفر منه لحد ما الrestaurant بتاعه بقى مهجور و"أفلس" وقفل، كل دا عشان غلطات بسيطة جداً فى طبيخ Gasteau معرفش Anton Ego يتعامل معاها بضوابط النصيحة فى الإسلام.

العكس صحيح فى تعامل الفأر العبقرى Remy مع المتخاذلين عن المثالية. Remy كان بيساعد الطباخين شبه المثاليين من تلامذة Gasteau بأنه بيحط لمسة واحدة بسيطة جداً على الطبيخ بتاعهم يخليه يتحول من شبه مثالى إلى مثالى.

اهى لمسة Remy للطبيخ دى أسمها فى الإسلام "النصيحة"

عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الدين النصيحة" ثلاثاً، قلنا "لمن يا رسول الله" قال "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"
[رواه مسلم]

أكيد النصيحة محتاجة علم وخبرة، ولكن أهم من العلم والخبرة محتاجة صدق وحرص ورفق تجاه الشخص اللى بننصحه وإلا مستحيل النصيحة تجيب نتيجة.

قال تعالى:
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا - سورة الإسراء / 53

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي

قصة Anton Ego مع Gasteau بتتكرر بين البشر كل يوم بقالها سنين وقرون، لكن كتير مننا ملاحظهاش إلا بعد الثورة. شفنا النقد اللاذع المتبادل المتداخل بين المنتميين للتيارات الفكرية والجهات السياسية والجماعات الدينة والحركات الشبابية والمؤسسات الإعلامية والشباب والشيوخ والممثلين ومتاهة ملهاش أول من أخر.

معروف أن كل صاحب فكر صادق عنده تصور معين للإنسان والمجتمع المثالى ونفسه أنه هو وكل الناس اللى حواليه يكونوا عليه عشان هو بيحبهم وبيحب مجتمعه. فجأة بعد تنحى مبارك بأسبوع بدأ كل صاحب فكر، إلا من رحم الله، ينتقد أصحاب الفكر المخالف على تنوعهم نقد لاذع غير بناء يخلو من أداب النصيحة فى الإسلام ويخلو حتى من أداب الحوار البسيطة فى عرف الإنسانية ظناً منه - زى Anton Ego - أن نقده ده هيخلى المخالف ليه يتحول للصورة المثالية اللى هو بيتطلع لها. أنا كنت واحد من الناس دى، لحد وقت قريب جداً.

أنا مدير أكبر صفحة عربية على Facebook؛ "اجعل صفحة النبي رقم 1 على الفيس بوك.. انشرها بقدر حبك للنبي". الصفحة دى فيها أكثر من 7 مليون عربى و3 مليون مصرى، يعنى أكتر من ربع العرب والمصريين اللى على فايسبوك. قبل الثورة كنت بتابع شباب ٦ أبريل وحزب الغد وشباب البرادعى وصفحة كلنا خالد سعيد ورصد الميدانية وكنت معجب بمجهودهم جداً وبساعدهم على قد مقدر بدعم الevents اللى كانوا بيعملوها زى مؤتمرات شباب ٦ أبريل وحملة جمع توقيعات التغيير ووقفات كلنا خالد سعيد وكشف تزوير أنتخابات مجلس الشعب ٢٠١٠ وحاجات تانية كتير. لكن للأسف، بعد تنحى مبارك نشأت حالة عداوة غير عادية بين المنتميين للتيارات الفكرية المختلفة فى الشارع المصرى، وفجأة لقيت Remy المحبوب الموهوب اللى جوايا غصب عنه بيتحول بالتدريج لنسخة من نسخ Anton Ego اللى أنتشرت بسرعة فى المجتمع المصرى.

بعد تنحى مبارك حسيت أن أخيراً جت الفرصة أن مصر تبقى دولة مثالية، "دولة إسلامية سلفية"، وعلى الأساس دا، وتقصيراً منى فى فهم المنهج السلفى، دخلت في حرب السخرية والأستهزاء والسباب اللى بدأت بعد التنحى بأسبوع ومازالت مستمرة لحد النهاردة ظناً منى أنى كدة بساعد المنهج السلفى لأننا نقرب ل"إمارة مصر السلفية". لكن للأسف، تأثيرى على المجتمع مكنش تأثير فردى وإنما بسبب سوء أستخدامى لصفحة النبى كان تأثيرى تأثير ملايين، وأتحولت "صفحة النبى" اللى كانت بتجمعنا كلنا على حب النبى صلى الله عليه وسلم إلى وسيلة للتفريق مابينا وتنفير الناس من سنة النبى..

النقد الغير بناء اللى أنتشر فى المجتمع المصرى أترتب عليه أن الشخص او المجموعة اللى وقع عليها النقد الغير بناء بقت بتتضرر أكثر ما بتنتفع، وفضل أفراد ومجموعات المجتمع يتضرروا ويتشوهوا لحد ما خسرنا كتير من إيجابيات شخصياتنا وبقينا كلنا مسوخ بنصرخ ونسخر ونضرب بعض وكل دا تحت وهم فى عقولنا: دعوة الآخر للمثالية.

الوضع فى مصر بقى خطير جداً، يمكن أخطر من قبل الثورة. للأسف لو ملحقناش كلنا نحرر Remy الناقد الموهوب المحبوب اللى جوانا وأستخدمناه فى أننا نحط اللمسة المثالية على بعضنا يقيناً الثورة هتفشل زى ما فشل مطعم Gasteau فى فيلم Ratatouille.

أنا عارف أن Remy لسة جوايا، لكنه متكتف. أكيد مش هيعرف يفك نفسه لأنه ضعف من كتر تفشيل Anton Ego له من ساعة الثورة. Remy اللى جوايا محتاج حد يحرره.. الليلة فى مارينا هتوب من كل نصيحة نصحت بيها مسلم او كافر مكانتش موفية لضوابط النصيحة فى الإسلام، بعدها ربنا هيحرره.



0 التعليقات: